
شهدت أسواق وول ستريت انهيارًا غير مسبوق بسبب الذكاء الاصطناعي الصيني “ديب سيك“، الذي قلب موازين الذكاء الاصطناعي وفتح منافسة قوية في هذا المجال. هل نعيش لحظة سبوتنيك جديدة في عصر التكنولوجيا؟
الذكاء الاصطناعي الصيني يزلزل وول ستريت: هل نحن أمام لحظة سبوتنيك جديدة؟
شهدت أسواق وول ستريت اليوم انهيارًا غير مسبوق، حيث تهاوت أسهم التكنولوجيا وخسرت الشركات الكبرى ما يقارب تريليون دولار في يوم واحد. فما السبب وراء هذا الانهيار؟ إنه روبوت المحادثة الصيني “ديب سيك”، الذي قلب موازين عالم الذكاء الاصطناعي وأشعل المنافسة في هذا المجال.
ديب سيك: كسر القواعد التقليدية
حتى الآن، كانت هناك قاعدتان أساسيتان لتطوير نموذج ذكاء اصطناعي ناجح: الحاجة إلى مليارات الدولارات، والاعتماد على أحدث تقنيات المعالجات المتطورة. لكن الصين حطّمت هذه القواعد تمامًا، فقد طوّرت روبوت محادثة قويًا، منخفض التكلفة، ولا يعتمد على الشرائح الذكية المتقدمة، ومع ذلك استطاع أن يجتاح العالم بسرعة قياسية.
ما هو ديب سيك ولماذا يثير هذه الضجة؟
تأسست شركة “ديب سيك” في عام 2023 على يد ليانغ وين فانغ، وانطلقت من صندوق تحوّط مالي وظلّت غير معروفة حتى ديسمبر الماضي، عندما أطلقت نموذجها الأول. وما زاد الأمر إثارة، هو أنها أطلقت نموذجًا ثانيًا خلال شهر واحد فقط. معظم نماذج ديب سيك مفتوحة المصدر، مما يتيح للمطورين الوصول إلى الشيفرة البرمجية والتعديل عليها، وهذا ما جعله منافسًا قويًا لكبار اللاعبين في المجال مثل “تشات جي بي تي” من OpenAI و”جيميني” من جوجل.
ما الذي يجعل ديب سيك مميزًا؟
يتمتع ديب سيك بجودة مماثلة لمنافسيه الكبار، ولكن ميزته الرئيسية تكمن في كونه مجانيًا، مما جعله التطبيق الأكثر تحميلًا في متجر “آبل” في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين. كما أنه يتميز بميزة أخرى ثورية: الكفاءة من حيث التكلفة. تم تدريب ديب سيك بتكلفة تقارب 6 ملايين دولار فقط، وهي تكلفة زهيدة مقارنة بمليارات الدولارات التي تنفقها شركات مثل “ميتا” التي تنفق أكثر من 60 مليون دولار على تدريب نماذجها.
الذكاء الاصطناعي الصيني والسياسة: تأثير العقوبات الأمريكية

لأعوام طويلة، احتفظت الولايات المتحدة بالتفوق في سباق الذكاء الاصطناعي، حيث فرضت عقوبات على الصين، وفرضت قيودًا على تصدير التكنولوجيا المتقدمة لمنع بكين من اللحاق بالركب. لكن الصين قلبت الموازين، فقد أظهرت البيانات أن الصين كانت تتفوق في 3 فقط من بين 64 تقنية رئيسية بين عامي 2003 و2007، لكنها اليوم تتصدر في 57 تقنية من أصل 64، بينما تقلّصت هيمنة الولايات المتحدة إلى 7 فقط.
الأسواق تنهار: تأثير ديب سيك على وول ستريت
منذ الصباح، شهدت أسواق المال الأمريكية هبوطًا حادًا بسبب تأثير ديب سيك:
- سهم “إنفيديا” انخفض بنسبة 12.5%، مما كبد الشركة خسائر تقارب 465 مليار دولار.
- “برودكوم” تراجعت بنسبة 14%.
- “إيه إم دي” فقدت 4.7% من قيمتها السوقية.
- “مايكروسوفت” تراجعت بنسبة 4.4%.
- “جوجل” انخفضت بنسبة 3.2%.
- مؤشر ناسداك تراجع بنسبة 3.6%، بينما انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 2.3%.
القيود السياسية والذكاء الاصطناعي السيادي
لكن على الرغم من النجاح الكبير، يواجه ديب سيك مشكلة تتعلق بالرقابة الصينية. عند سؤاله عن مواضيع سياسية حساسة مثل الرئيس الصيني شي جين بينغ أو قضايا حقوق الإنسان في الصين، يرفض الإجابة أو يقدم ردودًا متحفظة. هذا يسلط الضوء على مشكلة أوسع تتعلق بتحكم الدول في الذكاء الاصطناعي وتوجيهه وفقًا لأجندتها السياسية.
في المقابل، تحاول الولايات المتحدة تطوير نماذج ذكاء اصطناعي خاصة بها للحفاظ على الهيمنة التكنولوجية، مما يشير إلى أن مستقبل الذكاء الاصطناعي قد يكون أكثر انقسامًا، حيث تمتلك كل دولة نظامها الخاص الذي يعكس توجهاتها السياسية.
نحو ذكاء اصطناعي سيادي؟
إذا استمرت هذه الاتجاهات، فقد يصبح من الضروري لكل دولة تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، تمامًا كما تمتلك عملتها وجيشها. لن يكون من الممكن بعد الآن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي القادم من دول أخرى، خاصة إذا كان خاضعًا لرقابة أو قيود سياسية.
السؤال المطروح الآن: هل نحن مستعدون لعالم تهيمن فيه الدول الكبرى على الذكاء الاصطناعي، أم أننا بحاجة إلى نماذج أكثر انفتاحًا وحيادية؟ المستقبل وحده كفيل بالإجابة.
أهم النقاط
- ديب سيك: تأسست في عام 2023 على يد ليانغ وين فانغ، وهي شركة صينية في مجال الذكاء الاصطناعي تهدف إلى إحداث ثورة في السوق من خلال نهج منخفض التكلفة وتقنية مبتكرة. أصبحت بسرعة منافسًا رئيسيًا للعمالقة مثل OpenAI وGoogle.
- تكلفة التطوير: طورت ديب سيك نموذجها لالذكاء الاصطناعي الصيني بتكلفة تقارب 6 ملايين دولار، وهي ميزانية أقل بكثير من مئات الملايين التي تستثمرها شركات مثل Meta وNvidia.
- التأثير على الأسواق: كان تأثير ديب سيك على الأسواق المالية فوريًا. حيث فقدت شركة Nvidia حوالي 465 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد، مما يوضح سرعة تأثير المنافس الجديد على السوق التكنولوجي.
- ردود الفعل السياسية: يثير صعود الذكاء الاصطناعي الصيني تساؤلات حول التنظيم والسيطرة السياسية. في الصين، يخضع الذكاء الاصطناعي لقيود على المحتويات الحساسة، مما يبرز أهمية الذكاء الاصطناعي في إطار الأجندات الجيوسياسية.
- التقنيات الرئيسية: تفوقت ديب سيك على الولايات المتحدة في العديد من المجالات التكنولوجية الرئيسية، بما في ذلك في إنتاج الشرائح التي أصبحت أكثر تنافسية، مما يقلل الاعتماد على التقنيات الأمريكية.